قراءة في كتاب "التنمية المستدامة في المجتمع الإسلامي"

المشرف العام

Administrator
طاقم الإدارة
قراءة في كتاب "التنمية المستدامة في المجتمع الإسلامي"



يلقي كثير من المسلمين تبعة تدهور اوضاعهم على الغرب، والاستعمار، والصهيونية، بينما يرى كثير من المستشرقين وبعض المثقفين المسلمين ان السبب الرئيس في تخلف المسلمين يعود الى الدين الاسلامي وشموله مختلف نواحي الحياة.



يأتي الكتاب رداً على هؤلاء الذين يحاولون الاستدلال على تخلف الدين الاسلامي بما أصاب أهله من تأخر وانحطاط.


الاسلام أرسى قيماً معينة وأينما وجدت هذه القيم وجد الاسلام فقد أوصل الاسلام العرب الى أوج نموهم عندما أخذوا بهذه القيم. كما ان الغرب أخذ بها في فترة ازدهاره فكانت سبباً في تطوره ونموه. وعندما أهمل المسلمون هذه القيم، في مرحلة تاريخهم، كان اهمالهم لها سبباً في تأخرهم.


ما هي حال العالم الاسلامي اليوم؟ أغلب الظن انه في انحدار مستمر نتيجة تخلف في الوضع الاقتصادي في معظم البلدان الاسلامية حيث لا يتجاوز دخل الفرد 1000 دولار في السنة، بينما يتجاوز 35000 دولار في عدد من البلدان الصناعية.


من المسؤول عن هذا الوضع؟ وإذا كان الاسلام هو العقبة أمام الحرية والعلم والتطور والحداثة، كيف سنفسر ان العالم الاوروبي كان رائداً في الميادين الثلاثة يوم كان أكثر تمسكاً بتعاليم الاسلام.


هل السبب في تطور الغرب وازدهاره هو ابعاد الدين عن الدولة وفصل الكنيسة عن الدولة على عكس شمول الاسلام مختلف نواحي الحياة؟


هل كان للدول الاجنبية وتدخلها في أمور البلدان الاسلامية الاثر السلبي الذي فتح المجال على التدخل في شؤون تلك البلدان الداخلية؟


وهل طريقة تعاطي الاسلام مع المرأة عطل عمل نصف الطاقة البشرية في المجتمع الاسلامي وشل امكانات التربية المستدامة ومجالاتها الانتاجية؟


وهل السؤال الحقيقي هو ليس من فعل الاسلام المتشدد بالمسلمين، بل هو ما فعل المسلمون بالاسلام؟


يحاول الكتاب الاجابة عن هذه الاسئلة وتبيان طبيعة التنمية المستدامة في المجتمع الاسلامي والمنهج الدافع لهذه التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع اعلان التمسك بالقيم الاسلامية الاصيلة الثابتة في عالم يواجه تحديات محدودة تهدد كيانه ومستقبله مع انتشار النمط الاستهلاكي لسلوك الانسان ودافعه للعدوان والتسلط والاستئثار بخيرات البيئة والكون كوحدة متكاملة للجميع.


المؤلف نهاد ابراهيم باشا مجاز في الحقوق من الجامعة اليسوعية في بيروت يحمل دكتوراه في الاقتصاد والعلوم المائية من جامعة كولومبيا في نيويورك، استاذ محاضر في الجامعة الاميركية في بيروت عضو الندوة البرلمانية السورية ووزير الاقتصاد والتخطيط وممثل جزر القمر الدائم في منظمة اليونيسكو في باريس.


فصول


يقسم الكتاب الى فصول أربعة:


الفصل الاول: «الاسلام والتنمية المستدامة»، ويتناول معالم التنمية المستدامة، وأسباب النمو الاقتصادي ونظرية ماكس ثيبر، وتفوق المجتمعات البروتستنتية، والمجتمع التقليدي والتكنولوجي، والقراءة والكتابة، التوفير والاستثمار والنظرة الى المرأة، ومعالم النظام الاقتصادي من الاسلام وأركان العبادة الاسلامية والنمو الاقتصادي.


الفصل الثاني: «المعرفة والعلم والتنمية المستدامة» وفي موضوعاته العلم والتكنولوجيا القديمة، العلم والتكنولوجيا الحديثة، البحث الاساسي، والبحث التطبيقي، والتربية والتعليم في البلدان الاسلامية.


الفصل الثالث: «الآثار السلبية للتنمية الاقتصادية».


ـ تضخم الحجم.


ـ زيادة السكان.


ـ الاجهاض، التعقيم، البيئة، تلويث الحياة، الهجرة من الريف.


الفصل الرابع: «التنمية المستدامة والعادة والاسلام» وفي الختام المحاولات الاصلاحية والاسلام ومشاكل العالم المعاصر.


يتساءل المؤلف مع هنري بيرين عما اذا كانت الذهنية التي يسميها ماكس ثيبر مثلاً بروتستنتية، ليس سوى أفكار تتمثل فيها ذهنية رجال العمال الجدد الذين أفرزتهم الثورة الصناعية الحديثة والذين حلوا مكان الرجال التقليديين، أو بتعبير آخر ان ما يسمى بالذهنية البروتستنتية انما هو تكييف الذهنية القديمة التي تخطى مفاهيمها الزمن مع الضرورات الاقتصادية الجديدة، وهذه الافكار الجديدة بالذات هي التي مهدت الطريق للنمو الاقتصادي.


بمعنى آخر هو القبول بأن هناك تفاعلاً ذا اتجاهين بين الاصلاحات الدينية من جهة والتغيرات الاقتصادية من جهة أخرى، بحيث لا يبدو طبيعياً ان نعتقد ان الاصلاحات الدينية هي وحدها أوجدت الروح الرأسمالية، كما انه ليس صحيحاً ان نعتبر ان هذه الاصلاحات الدينية جاءت نتيجة للتغيرات الاقتصادية (ص37).


- ماكس فيبر


هذا يعني ان الديانة البروتستنتية رسمت لها تعاميم ومفاهيم ساعدت على النمو الاقتصادي. وكما لاحظ ماكس فيبر ان الاحصاءات المهنية في بلدان أوروبا الغربية تشير بتكرار عجيب مفاده ان رجال الاعمال، وأصحاب رؤوس الاموال، وحاملي المهارات العلمية العالمية، والمدراء والفنيين والاداريين في المؤسسات العصرية ينتمون بغالبية ساحقة الى الطائفة البروتستنتية وكان اليكسي دو توكفيل في كتابه الشهير «الديموقراطية في أميركا» من الذين لاحظوا ذلك. كما ان الكاتب الفرنسي آلان بيرنيت في كتابه «الداء الفرنسي» استعرض مطولاً كيف تخلفت في مطلع القرن التاسع عشر بلدان كاثوليكية كالبرتغال واسبانيا وايطاليا وفرنسا، بينما انطلقت في الميدان الاقتصادي البلدان البروتستنتية كهولندا وألمانيا وانكلترا والولايات المتحدة الاميركية (ص28).


-المجتمع التكنولوجي


بينما يقدم المجتمع التقليدي على تمسك افراده بالجمود ورفض التغيير، يتميز المجتمع التكنولوجي بسعي أفراده الى الاستحداث والتجديد. فالفرد في المجتمع التكنولوجي يعمل باستمرار على تنظيم ما حوله حسب علاقات ترتكز على مفاهيم فكرية او قيمية جديدة تخدم اهدافه بشكل أفضل من العلاقات السابقة. ذلك انه ينظر الى العالم الخارجي نظرة عقلانية وإيمان بأن الاشياء التي تحيط به، تخضع لقوانين ثابتة يمكن اذا ما استنبطها وطبقها التحكم بها وتسخيرها لحاجاته ورغباته، والسبيل الى ذلك تقدم المعرفة وتطبيقها في ميدان الانتاج (ص41).


-الاسلام


بالمقابل يرى المؤلف ان الاسلام أحدث حركة اقتصادية ضخمة اذ انتقل بالمجتمع الاسلامي الواقع في الرق والرعي الى الزراعة والتجارة والصناعة على مستوى دولي وكان له تشريعاته الاقتصادية والاجتماعية. فلا نظام فيه للطبقات كالذي عرفته اوروبا، وانما هو مجتمع مفتوح يستطيع كل فرد فيه بوسيلة او اخرى ان يرتفع الى القمة اوالى الحضيض (ص43).


إذاَ الفرق هو في الانجاز او حافز النجاح كما يصفه دافيد ماكلسليت بحيث يستخلص امكان تنمية مجتمع ما اقتصادياً على طريقة حاجة الانجاز لدى افراده، ما يساعد على النمو الاقتصادي وهي صفات الفرد العصري الصناعي الحديث إذا ما قورن بالرجل التقليدي، النموذج السائد في المجتمعات النامية.


-صفات الرجل العصري


من تلك الصفات: الايمان والعقل، والتعلم، تحسين الوضع المادي، الميل الى التوفير والاستثمار، الثقة بالغير، الاستعداد للتعاون والتعاضد، النظرة الحديثة الى المرأة، التحرر من سلطة الابوة، عامل الوقت.


هذه الصفات ليست غريبة عن معالم النظام الاقتصادي من الاسلام من توصيف علماء الاجتماع المعاصرين: «فالاسلام ليس مجرد عقيدة، تهذيب للروح وتربية على الفضائل، بل هو الى جانب ذلك نظام اقتصادي عادل ونظام اجتماعي متوازن وتشريع مدني وتشريع جنائي، وهو الى ذلك عبادة ومعاملة (ص72).


ولا بد من الايضاح اكثر ان ليس في الاسلام نظام اقتصادي معين بل هناك مبادئ اساسية موجهة يجب ان يتقيد بها اي نظام اقتصادي اسلامي، مما يعني تصور انظمة اقتصادية اسلامية مختلفة تختلف من مجتمع الى آخر ومن زمن الى آخر: «...ومن الخراج بغير عمارة اخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم امره إلا قليلاً» (ص73).


-التراث مزيج سلبي وإيجابي


يرى باشا مع قسطنطين زريق ان اي تراث يتضمن العالم والناس الذي يجب ان يزول. انه مزيج من العناصر الايجابية والسلبية، ومن التراث العربي الاسلامي انجاز ذرائع ومن سيادي العلم والفكر والعقلية الصحيحة ليست معادية للتراث وليست هي الدفع لكل جديد لانه جديد بل لقيمه وجدواه، ولا مجال لأي مجتمع ان ينمو ويتطور حضارياً اذا التزم بأفكار ثابتة لا يجوز تغييرها او تحويرها او انتقادها (ص117).


بالتأكيد ينبغي الاخذ بتحولات مهمة سياسية واقتصادية واجتماعية منها سرعة التغيير وتضخم الحجم في عدد سكان العالم، ويعتقد ان نسبة السكان في العقدين القادمين تراوح في البلدان الاسلامية بين 2 أو 3% ما يساوي تسعة عشر ضعف العدد الاساسي خلال قرن (دراسات حديثة تشير الى العكس الى تدني الخصوبة في البلدان الاسلامية...).


في اعتراضات لأسباب اقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية وللهجرة والتغريب، ومن انفراط العائلة الموسعة الى محاولات تنظيم الاسرة وغيرها.


من خلاصات الكتاب ان ما يمكن اقتباسه من قبل المجتمعات العربية الاسلامية من الغرب هو الحضارة التكنولوجية بتفكيرها العقلاني واسلوبها العلمي للوصول بالمجتمعات العربية الاسلامية الى المستوى المطلوب وهذا يعني التخلي عن الشخصية التقليدية واكتساب الشخصية العصرية (ص166).


ومن المهم استيراد اغراض الانتاج ونقل التكنولوجيا الغربية والعمل بدينامية على ذلك في اطار منظمة التجارة العالمية باعتبارها ملك الانسانية جمعاء ومن العبث العمل في متاهات اعادة اكتشافها لأن ذلك يستلزم ثلاثمئة الى اربعمئة سنة استغرقتها الحداثة الغربية ولا يمكن تحقيق هذه الحداثة الاسلامية في فترة خمسين سنة فقط مع كل التحديات التي يواجهها الاسلام اليوم في مختلف نواحي نشاطاته (ص167).


في الختام يميز المؤلف بين السعادة وزيادة الدخل (تيبور سيتوفسكي) واذا لم يكن للسعادة علاقة بالدخل اذاً، لماذا يتهافت الناس على الكسب ويتسابقون لتجميع الثروة وامتلاك السلع؟ لكن ماذا يفعل الانسان ايضاً عندما يشبع جميع حاجاته الانسانية؟ لا شيء؟


المزيد من السلع يعني القلق والتوتر وعدم الراحة والرفاهية، أي عدم الشعور باللذة او اللذة السريعة ذلك ان طاقة الانسان الجسمانية محدودة كما هي طاقة الارض على الاستغلال محدودة امام هذا التوسع الاستهلاكي كظاهرة مرضية (اريك فروم)، فهذا النظام الصناعي الرأسمالي والاشتراكي المتمثل بالمجتمع الاستهلاكي والقائم على النمو المستمر يحمل في طياته بذور انهياره (ص180)، والى معاناة نظام السوق مما قد يؤدي الى تدمير ذاتي.


ما يحاول ان يقوله د. نهاد باشا هو بالعودة الى القيم الروحية مع الاحتفاظ بكل المكتسبات العلمية والتكنولوجية الحديثة في محاولات اصلاحية مما يتفق مع الديانات السماوية والاسلامية منها في التحذير من اخطار طغيان المادة.



هل هو تنظير ايديولوجي بأن نظام الاسلام يصلح مهنياً اساسياً لمعالجة مشاكل الشباب المعقدة التي اوصلتها اليها التكنولوجيا الحديثة؟ إذاَ كان الحري بالاسلام اصلاح نفسه اولاً تمهيداً لاصلاح المجتمع. هذا قد يلتقي مع اخلاقية التقشف البروتستنتي لاحقاً ومع الكنيسة الكاثوليكية في شجبها المجتمع الاستهلاكي.


لقد أرسى الإسلام قيمًا معينة وأينما وجدت هذه القيم وجد الإسلام فقد أوصل الإسلام العرب إلى أوج نموهم عندما أخذوا بهذه القيم. كما أن الغرب أخذ بها في فترة ازدهاره فكانت سببًا في تطوره ونموه. وعندما أهمل المسلمون هذه القيم، في مرحلة تاريخهم، كان إهمالهم لها سببًا في تأخرهم.


ما هو حال العالم الإسلامي اليوم؟ أغلب الظن أنه في انحدار مستمر نتيجة تخلف في الوضع الاقتصادي في معظم البلدان الإسلامية، حيث لا يتجاوز دخل الفرد 1000 دولار في السنة، بينما يتجاوز 35000 دولار في عدد من البلدان الصناعية.


من المسئول عن هذا الوضع؟ وإذا كان الإسلام هو العقبة أمام الحرية والعلم والتطور والحداثة، كيف سنفسر أن العالم الأوروبي كان رائدًا في الميادين الثلاثة يوم كان أكثر تمسكًا بتعاليم الإسلام.


هل السبب في تطور الغرب وازدهاره هو إبعاد الدين عن الدولة وفصل الكنيسة عن الدولة على عكس شمول الإسلام مختلف نواحي الحياة؟ هل كان للدول الأجنبية وتدخلها في أمور البلدان الإسلامية الأثر السلبي الذي فتح المجال للتدخل في شؤون تلك البلدان الداخلية؟


وهل طريقة تعاطي الإسلام مع المرأة عطل عمل نصف الطاقة البشرية في المجتمع الإسلامي، وشل إمكانات التربية المستدامة ومجالاتها الإنتاجية؟


وهل السؤال الحقيقي هو ليس من فعل الإسلام المتشدد بالمسلمين، بل هو ما فعل المسلمون بالإسلام؟


كل هذه التساؤلات وغيرها يحاول الكتاب الإجابة عنها أو محاولة توضيح من المسئول.


فصول الكتاب الأربعة


جاء الكتاب في أربعة فصول:


الفصل الأول: "الإسلام والتنمية المستدامة"، ويتناول معالم التنمية المستدامة، وأسباب النمو الاقتصادي ونظرية ماكس ثيبر، وتفوق المجتمعات البروتستنتية، والمجتمع التقليدي والتكنولوجي، والقراءة والكتابة، التوفير والاستثمار والنظرة إلى المرأة، ومعالم النظام الاقتصادي من الإسلام وأركان العبادة الإسلامية والنمو الاقتصادي.


الفصل الثاني: "المعرفة والعلم والتنمية المستدامة" وفي موضوعاته العلم والتكنولوجيا القديمة، العلم والتكنولوجيا الحديثة، البحث الأساسي، والبحث التطبيقي، والتربية والتعليم في البلدان الإسلامية.


الفصل الثالث: "الآثار السلبية للتنمية الاقتصادية".


ـ تضخم الحجم.


ـ زيادة السكان.


ـ الإجهاض، التعقيم، البيئة، تلويث الحياة، الهجرة من الريف.


الفصل الرابع: "التنمية المستدامة والعادة والإسلام" وفي ختام المحاولات الإصلاحية والإسلام ومشاكل العالم المعاصر.


يتساءل المؤلف مع هنري بيرين عما إذا كانت الذهنية التي يسميها ماكس ثيبر مثلاً بروتستنتية، ليس سوى أفكار تتمثل فيها ذهنية رجال العمال الجدد الذين أفرزتهم الثورة الصناعية الحديثة، والذين حلوا مكان الرجال التقليديين، أو بتعبير آخر أن ما يسمى بالذهنية البروتستنتية إنما هو تكييف الذهنية القديمة التي تخطى مفاهيمها الزمن مع الضرورات الاقتصادية الجديدة، وهذه الأفكار الجديدة بالذات هي التي مهدت الطريق للنمو الاقتصادي.


بمعنى آخر هو القبول بأن هناك تفاعلاً ذا اتجاهين بين الإصلاحات الدينية من جهة والتغيرات الاقتصادية من جهة أخرى، بحيث لا يبدو طبيعيًا أن نعتقد أن الإصلاحات الدينية هي وحدها أوجدت الروح الرأسمالية، كما أنه ليس صحيحًا أن نعتبر أن هذه الإصلاحات الدينية جاءت نتيجة للتغيرات الاقتصادية .


هذا يعني أن الديانة البروتستنتية رسمت لها تعاميم ومفاهيم ساعدت على النمو الاقتصادي. وكما لاحظ ماكس فيبر أن الإحصاءات المهنية في بلدان أوروبا الغربية تشير بتكرار عجيب؛ مفاده أن رجال الأعمال، وأصحاب رؤوس الأموال، وحاملي المهارات العلمية العالمية، والمدراء والفنيين والإداريين في المؤسسات العصرية ينتمون بغالبية ساحقة إلى الطائفة البروتستنتية، وكان اليكسي دو توكفيل في كتابه الشهير "الديمقراطية في أمريكا" من الذين لاحظوا ذلك.كما أن الكاتب الفرنسي آلان بيرنيت في كتابه "الداء الفرنسي" استعرض مطولاً كيف تخلفت في مطلع القرن التاسع عشر بلدان كاثوليكية كالبرتغال وأسبانيا وإيطاليا وفرنسا، بينما انطلقت في الميدان الاقتصادي البلدان البروتستنتية كهولندا وألمانيا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.


بينما يقدم المجتمع التقليدي على تمسك أفراده بالجمود ورفض التغيير، يتميز المجتمع التكنولوجي بسعي أفراده إلى الاستحداث والتجديد. فالفرد في المجتمع التكنولوجي يعمل باستمرار على تنظيم ما حوله حسب علاقات ترتكز على مفاهيم فكرية أو قيمية جديدة تخدم أهدافه بشكل أفضل من العلاقات السابقة. ذلك أنه ينظر إلى العالم الخارجي نظرة عقلانية، وإيمان بأن الأشياء التي تحيط به، تخضع لقوانين ثابتة يمكن إذا ما استنبطها وطبقها، التحكم بها وتسخيرها لحاجاته ورغباته، والسبيل إلى ذلك تقدم المعرفة وتطبيقها في ميدان الإنتاج.


بالمقابل يرى المؤلف أن الإسلام أحدث حركة اقتصادية ضخمة إذ انتقل بالمجتمع الإسلامي الواقع في الرق والرعي إلى الزراعة والتجارة والصناعة على مستوى دولي وكان له تشريعاته الاقتصادية والاجتماعية. فلا نظام فيه للطبقات كالذي عرفته أوروبا، وإنما هو مجتمع مفتوح يستطيع كل فرد فيه بوسيلة أو أخرى، أن يرتفع إلى القمة أو إلى الحضيض.


إذن الفرق هو في الإنجاز أو حافز النجاح كما يصفه دافيد ماكلسليت بحيث يستخلص إمكان تنمية مجتمع ما اقتصاديًا على طريقة حاجة الانجاز لدى أفراده، ما يساعد على النمو الاقتصادي وهي صفات الفرد العصري الصناعي الحديث إذا ما قورن بالرجل التقليدي، النموذج السائد في المجتمعات النامية.


صفات الرجل العصري


من تلك الصفات: الإيمان والعقل، والتعلم، تحسين الوضع المادي، الميل إلى التوفير والاستثمار، الثقة بالغير، الاستعداد للتعاون والتعاضد، النظرة الحديثة إلى المرأة، التحرر من سلطة الأبوة، عامل الوقت.


ويرى الكاتب أن هذه الصفات ليست غريبة عن معالم النظام الاقتصادي من الإسلام من توصيف علماء الاجتماع المعاصرين: فالإسلام ليس مجرد عقيدة، تهذيب للروح وتربية على الفضائل، بل هو إلى جانب ذلك نظام اقتصادي عادل ونظام اجتماعي متوازن وتشريع مدني وتشريع جنائي، وهو إلى ذلك عبادة ومعاملة .


ولا بد من الإيضاح أكثر أن ليس في الإسلام نظام اقتصادي معين، بل هناك مبادئ أساسية موجهة يجب أن يتقيد بها أي نظام اقتصادي إسلامي، مما يعني تصور أنظمة اقتصادية إسلامية مختلفة تختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى آخر.. "ومن الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً".


التراث مزيج سلبي وإيجابي


كما يرى الكاتب مع قسطنطين زريق أن أي تراث يتضمن العالم والناس الذي يجب أن يزول. أنه مزيج من العناصر الإيجابية والسلبية، ومن التراث العربي الإسلامي إنجاز رائع ومع سيادة العلم والفكر والعقلية الصحيحة ليست معادية للتراث، وليست هي الدفع لكل جديد لأنه جديد بل لقيمه وجدواه، ولا مجال لأي مجتمع أن ينمو، ويتطور حضاريًا، إذا التزم بأفكار ثابتة لا يجوز تغييرها أو تحويرها أو انتقادها .


بالتأكيد ينبغي الأخذ بتحولات مهمة سياسية واقتصادية واجتماعية، منها سرعة التغيير وتضخم الحجم في عدد سكان العالم، ويعتقد أن نسبة السكان في العقدين القادمين تراوح في البلدان الإسلامية بين 2 أو 3% ما يساوي تسعة عشر ضعف العدد الأساسي خلال قرن (دراسات حديثة تشير إلى العكس إلى تدني الخصوبة في البلدان الإسلامية..).


في اعتراضات لأسباب اقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية وللهجرة والتغريب، ومن انفراط العائلة الموسعة إلى محاولات تنظيم الأسرة وغيرها.


ويستخلص الكتاب أن ما يمكن اقتباسه من قبل المجتمعات العربية الإسلامية، من الغرب هو الحضارة التكنولوجية بتفكيرها العقلاني وأسلوبها العلمي، للوصول بالمجتمعات العربية الإسلامية إلى المستوى المطلوب وهذا يعني التخلي عن الشخصية التقليدية واكتساب الشخصية العصرية.


كما أنه من المهم استيراد أغراض الإنتاج، ونقل التكنولوجيا الغربية والعمل بدينامية على ذلك في إطار منظمة التجارة العالمية، باعتبارها مِلك الإنسانية جمعاء، ومن العبث العمل في متاهات إعادة اكتشافها لأن ذلك يستلزم ثلاثمائة إلى أربعمائة سنة استغرقتها الحداثة الغربية، ولا يمكن تحقيق هذه الحداثة الإسلامية في فترة خمسين سنة فقط، مع كل التحديات التي يواجهها الإسلام اليوم في مختلف نواحي نشاطاته.


وفي نهاية الكتاب يميز المؤلف بين السعادة وزيادة الدخل (تيبور سيتوفسكي) وإذا لم يكن للسعادة علاقة بالدخل! إذن لماذا يتهافت الناس على الكسب ويتسابقون لتجميع الثروة وامتلاك السلع؟ لكن ماذا يفعل الإنسان أيضًا عندما يشبع جميع حاجاته الإنسانية؟ لا شيء؟


المزيد من السلع يعني القلق والتوتر وعدم الراحة والرفاهية، أي عدم الشعور باللذة أو اللذة السريعة ذلك أن طاقة الإنسان الجسمانية محدودة كما هي طاقة الأرض على الاستغلال محدودة، أمام هذا التوسع الاستهلاكي، كظاهرة مرضية (اريك فروم)، فهذا النظام الصناعي الرأسمالي والاشتراكي المتمثل بالمجتمع الاستهلاكي، والقائم على النمو المستمر يحمل في طياته بذور انهياره، وإلى معاناة نظام السوق مما قد يؤدي إلى تدمير ذاتي.


إذن ما يحاول أن يقوله الكاتب هو العودة إلى القيم الروحية مع الاحتفاظ بكل المكتسبات العلمية والتكنولوجية الحديثة في محاولات إصلاحية، مما يتفق وجوهر الإسلام ومنها التحذير من أخطار طغيان المادة.



ومما يذكر أن المؤلف نهاد إبراهيم باشا مجاز في الحقوق ويحمل دكتوراه في الاقتصاد والعلوم المائية من جامعة كولومبيا في نيويورك، أستاذ محاضر في الجامعة الأمريكية في بيروت، وعضو الندوة البرلمانية السورية، ووزير الاقتصاد والتخطيط، وممثل جزر القمر الدائم في منظمة اليونيسكو في باريس.


-المصدر:الاسلام اليوم


أكثر...
 
أعلى